فصل: تفسير الآيات (56- 58):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).



.تفسير الآيات (41- 45):

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (42) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ (43) يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (44) وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45)}
قوله عزّ وجلّ: {ألم تر أن الله يسبح له من في السموات والأرض والطير صافات} أي باسطات أجنحتهن في الهواء قيل خص الطير بالذكر من جملة الحيوان لأنها تكون بين السماء والأرض، فتكون خارجة عن حكم من في السموات والأرض {كل قد علم صلاته وتسبيحه} قيل: الصلاة لبني آدم والتسبيح لسائر الخلق وقيل إن ضرب أجنحة الطير صلاته وتسبيحه، وقيل: معناه إن كل مصل ومسبح علم الله صلاته وتسبيحه وقيل معناه كل مصل ومسبح منهم قد علم صلاة نفسه وتسبيحه {والله عليم بما يفعلون ولله ملك السموات والأرض} أي إن جميع الموجودات ملكه وفي تصرفه وعنه نشأت ومنه بدأت فهو واجد الوجود وقيل معناه أن خزائن المطر والرزق بيده ولا يملكها أحد سواه {وإلى الله المصير} أي وإلى الله مرجع العباد بعد الموت. قوله تعالى: {ألم تر أن الله يزجي} أي يسوق {سحاباً} بأمره إلى حيث يشاء من أرضه وبلاده {ثم يؤلف بينه} أي يجمع بين قطع السحاب المتفرقة بعضها إلى بعض {ثم يجعله ركاماً} أي متراكماً بعضه فوق بعض {فترى الودق} أي المطر {يخرج من خلاله} أي من وسطه وهو مخارج القطر {وينزل من السماء من جبال فيها من برد} قيل معناه وينزل من جبال من السماء وتلك الجبال من برد. قال ابن عباس: أخبر الله أن في السماء جبالاً من برد وقيل معناه وينزل من السماء مقدار جبال في الكثرة من برد. فإن قلت: ما الفرق بين من الأولى والثانية والثالثة. قلت: من الأولى لابتداء الغاية لأن ابتداء الإنزال من السماء للتبعيض لأن ما ينزله الله بعض تلك الجبال التي في السماء، والثالثة للتجنيس لأن تلك الجبال من جنس البرد {فيصيب به} أي البرد {من يشاء} فيهلكه وأمواله {ويصرفه عمن يشاء} أي فلا يضره {يكاد سنا برقه} أي ضوء برق السحاب {يذهب بالأبصار} أي من شدة ضوئه وبريقه {يقلب الله الليل والنهار} أي يصرفهما في اختلافهما وتعاقبهما فيأتي بالليل ويذهب بالنهار ويأتي بالنهار ويذهب بالليل.
(ق) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله تعالى: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر، وأنا الدهر بيدي الأمن أقلب الليل والنهار» معنى هذا الحديث: أن العرب كانوا يقولون عند النوازل والشدائد أصابنا الدهر ويذمونه في أشعارهم فقيل لهم: لا تسبوا الدهر فإن فاعل ذلك هو الله عز وجل والدهر مصرف تقع فيه التأثيرات كما تقع بكم، وقوله تعالى: {إن في ذلك} أي الذي ذكر من هذه الأشياء {لعبرة لأولي الأبصار} أي دلالة لأهل العقول والبصائر على قدرة الله وتوحيده.
قوله عز وجل: {والله خلق كل دابة من ماء} أي من نطفة وأراد به كل حيوان يشاهد في الدنيا ولا يدخل فيه الملائكة والجن، لأنا لا نشاهدهم وقيل: إن أصل جميع الخلق من الماء وذلك أن الله خلق ماء فجعل بعضه ريحاً ونوراً فخلق منه الملائكة وجعل بعضه ناراً فخلق منه الجن، وجعل بعضه طيناً فخلق منه آدم {فمنهم من يمشي على بطنه} أي كالحيات والحيتان والديدان ونحو ذلك {ومنهم من يمشي على رجلين} يعني مثل بني آدم والطير {ومنهم من يمشي على أربع} يعني كالبهائم والسباع. فإن قلت كيف قال: خلق كل دابة من ماء مع أن كثيراً من الحيوانات يتولد من غير نطفة. قلت ذلك المخلق من غير نطفة، لابد أن يتكون من شيء، وذلك الشيء أصله من الماء فكان من الماء. فإن قلت: فمنهم من يمشي ضمير العقلاء، فلم يستعمل في غير العقلاء. قلت ذكر الله تعالى ما لا يعقل مع من يعقل لأن جعل الشريف أصلاً، والخسيس تبعاً أولى. فإن قلت: لم قدم ما يمشي على بطنه على غيره من المخلوقات. قلت قدم الأعجب، والأعرف في القدرة وهو الماشي بغير آلة المشي، وهي الأرجل والقوائم ثم ذكر ما يمشي على رجلين ثم ما يمشي على أربع. فإن قلت: لم اقتصر على ذكر الأربع وفي الحيوانات ما يمشي على أكثر من أربع، كالعناكب والعقارب والرتيلا وما له أربع وأربعون رجلاً ونحو ذلك. قلت هذا القسم كالنادر فكان ملحقاً بالأغلب وقيل: إن هذه الحيوانات اعتمادها على أربع في المشي والباقي تبع لها {يخلق الله ما يشاء} أي مما لا يعقل ولا يعلم {إن الله على كل شيء قدير} أي هو القادر على الكل العالم بالكل المطلع على الكل، يخلق ما يشاء كما يشاء لا يمنعه مانع ولا دافع.

.تفسير الآيات (46- 55):

{لَقَدْ أَنْزَلْنَا آَيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (46) وَيَقُولُونَ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (52) وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (53) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (54) وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)}
{لقد أنزلنا آيات مبينات} يعني القرآن هو المبين للهدى والأحكام والحلال والحرام {والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} يعني إلى دين الإسلام الذي هو دين الله وطريقه إلى رضاه وجنته. قوله تعالى: {ويقولون} يعني المنافقين {آمنا بالله وبالرسول وأطعنا} أي يقولونه: بألسنتهم من غير اعتقاد {ثم يتولى فريق منهم} أي يعرض على طاعة الله ورسوله {من بعد ذلك} أي من بعد قولهم آمناً، ويدعو إلى غير حكم الله قال الله تعالى: {وما أولئك بالمؤمنين} نزلت هذه الآية في بشر المنافق، كان بينه وبين يهودي خصومة في أرض، فقال اليهودي: نتحاكم إلى محمد صلى الله عليه وسلم وقال المنافق بل نتحاكم إلى كعب بن الأشرف فإن محمداً يحيف فأنزل الله هذه الآية: {وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم} أي الرسول يحكم بحكم الله بينهم {إذا فريق منهم معرضون} يعني عن الحكم وقيل عن الإجابة {وإن لم يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين} أي مطيعين منقادين لحكمه أي إذا كان الحكم لهم على غيرهم أسرعوا إلى حكمه لثقتهم أنه، كما يحكم عليهم بالحق يحكم لهم أيضاً {في قلوبهم مرض} أي كفر ونفاق {أم ارتابوا} أي شكوا وهذا استفهام ذم وتوبيخ والمعنى هم كذلك {أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله} أي بظلم {بل أولئك هم الظالمون} أي لأنفسهم بإعراضهم عن الحق. قوله عز وجل: {إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله} أي إلى كتاب الله {ورسوله ليحكم بينهم} هذا تعليم أدب الشرع على أي من هذه صفته {هم المفلحون ومن يطع الله ورسوله} قال ابن عباس فيما ساءه وسره {ويخش الله} أي على ما عمل من الذنوب {ويتقه} أي فيما بعد {فأولئك هم الفائزون} يعني الناجون.
قوله تعالى: {وأقسموا بالله جهد أيمانهم} قيل: جهد اليمين أن يحلف بالله ولا يزيد على ذلك شيئاً {لئن أمرتهم ليخرجن} وذلك أن المنافقين كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم أينما كنت نكن معك لئن خرجت خرجنا، ولئن أقمت أقمنا، ولئن أمرتنا بالجهاد جاهدنا وقيل لما نزل بيان كراهتهم لحكم الله ورسوله قالوا للنبيّ صلى الله عليه وسلم لو أمرتنا أن نخرج من ديارنا، وأموالنا ونسائنا لخرجنا، فكيف لا نرضى بحكمك فقال الله تعالى: {قل} لهم {لا تقسموا} يعني لا تحلفوا، وتم الكلام ثم ابتدأ فقال {طاعة معروفة} يعني هذه طاعة القول باللسان دون الاعتقاد بالقلب، هي معروفة يعني أمر عرف منكم أنكم تكذبون، وتقولون ما لا تفعلون وقيل: معناه طاعة معروفة بنية خالصة أفضل وأمثل من يمين باللسان لا يوافقها الفعل {إن الله خبير بما تعلمون} يعني من طاعتكم بالقول ومخالفتكم بالفعل {قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول} يعني بقلوبكم وصدق نياتكم {فإن تولوا} يعني أعرضوا عن طاعة الله ورسوله {فإنما عليه} أي على الرسول {ما حمل} أي ما كلف وأمر به من تبليغ الرسالة {وعليكم ما حملتم} أي ما كلفتم من الإجابة والطاعة {وإن تطيعوه تهتدوا} أي تصيبوا الحق والرشد في طاعته {وما على الرسل إلا البلاغ المبين} أي التبليغ الواضح البين.
قوله عز وجل: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض} قيل مكث النبيّ صلى الله عليه وسلم بمكة بعد الوحي عشر سنين مع أصحابه، وأمروا بالصبر على أذى الكفار فكانوا يصبحون ويمسون خائفين ثم أمروا بالهجرة إلى المدينة وأمروا بالقتال وهم على خوفهم لا يفارق أحد منهم: سلاحه فقال رجل منهم أما يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع السلاح فأنزل الله هذه الآية، ومعنى ليستخلفنهم والله ليورثنهم أرض الكفار من العرب والعجم، فجعلهم ملوكها وساستها وسكانها {كما استخلف الذين من قبلهم} أي كما استخلف داوُد وسليمان وغيرهما من الأنبياء، وكما استخلف بني إسرائيل وأهلك الجبابرة بمصر والشام وأورثهم أرضهم وديارهم {وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى} أي اختاره {لهم} قال ابن عباس يوسع لهم في البلاد حتى يملكوها ويظهر دينهم على سائر الأديان {وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبد ونني} آمنين {لا يشركون بي شيئاً} فأنجز الله وعده وأظهر دينه ونصر أولياءه وأبدلهم بعد الخوف أمناً وبسطاً في الأرض.
(خ) عن عدي بن حاتم قال: بينا أنا عندي النبيّ صلى الله عليه وسلم إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة ثم أتاه آخر فشكا إليه قطع السبيل فقال: «يا عدي هل رأيت الحيرة قلت: لم أرها ولقد أنبئت عنها قال فإن طالت بك حياة فلترين الظعينة ترحل عن الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحداً إلا الله قلت فيما بيني وبين نفسي، فإين دعار طيئ الذين قد سعروا البلاد، ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى قلت كسرى بن هرمز قال كسرى بن هرمز ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج ملء كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله منه وليلقين الله أحدكم يوم القيامة، وليس بينه وبينه ترجمان يترجم فليقولن ألم أبعث إليك رسولاً، فيبلغك فيقول بلى يا رب، ألم أعطك مالاً وأفضل عليك فيقول بلى فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنم، وينظر عن شماله فلا يرى إلا جهنم» قال عدي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أتقوا النار ولو بشق تمرة فمن لم يجد شق تمرة فبكلمة طيبة» قال عدي: فرأيت الظعينة ترحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلى الله وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز، ولئن طالت بكم حياة لترون ما قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: يخرج الرجل ملء كفه ذهباً إلخ.
وفي الآية دليل على صحة خلافة أبي بكر الصديق والخلفاء الراشدين بعده، لأن في أيامهم كانت الفتوحات العظيمة وفتحت كنوز كسرى غيره من الملوك، وحصل الأمن والتمكين وظهور الدين عن سفينة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكاً» ثم قال: أمسك خلافة أبي بكر سنتين وخلافة عمر عشر سنين، وخلافة عثمان اثنتي عشر سنة وعلي ستاً قال علي: قلت لحماد القائل لسعيد أمسك سفينة قال نعم أخرجه أبو داود والترمذي بنحو هذا اللفظ. قلت: كذا ورد هذا الحديث بهذا التفصيل، وفيه إجمال وتفصيله أن خلافة أبي بكر كانت سنتين وثلاثة أشهر، وخلافة عمر كانت عشر سنين وستة أشهر وخلافة عثمان اثنتي عشر سنة كما ذكر في الحديث، وخلافة علي أربع سنين وتسعة أشهر ولهذا جاء في بعض روايات الحديث على كذا، ولم يبين تعيين مدته فعلى هذا التفصيل تكون مدة خلافة الأئمة الأربعة تسعة وعشرين سنة وستة أشهر، وكملت ثلاثين سنة بخلافة الحسن كانت ستة أشهر ثم نزل عنها والله أعلم، وقوله تعالى: {ومن كفر بعد ذلك} أراد به كفران النعمة ولم يرد الكفران بالله {فأولئك هم الفاسقون} أي العاصون قال أهل التفسير: أو من كفر بهذه النعمة وجحد حقها الذين قتلوا عثمان، فلما قتلوه غير الله الله مابهم وأدخل عليهم الخوف حتى صاروا يقتلون بعد أن كانوا إخواناً. عن ابن أخي عبد الله بن سلام قال: لما أريد قتل عثمان جاء عبد الله بن سلام فقال عثمان: ما جاء بك قال: جئت في نصرك قال: اخرج إلى الناس فاطردهم عني فإنك خارجاً خير لي منك داخلاً، فخرج عبد الله إلى الناس فقال: أيّها الناس إن لله سيفاً مغموداً وإن الملائكة قد جاورتكم في بلدكم هذا الذي نزل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فالله الله في هذا الرجل أن تقتلوه فوالله إن قتلتموه لتطردن جيرانكم الملائكة، وليسلن الله سيفه المغمود عنكم فلا يغمد إلى يوم القيامة قالوا: اقتلوا اليهودي واقتلوا عثمان أخرجه الترمذي زاد في رواية غير الترمذي فما قتل نبي قط إلا قتل به سبعون ألفاً، ولا خليفة إلا قتل به خسمة وثلاثون ألفاً.

.تفسير الآيات (56- 58):

{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56) لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ (57) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58)}
قوله تعالى: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون} أي افعلوا هذه الأشياء على رجاء الرحمة {لا تحسبن الذي كفروا معجزين} أي فائتين عنا {في الأرض ومأواهم النار ولبئس المصير} قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم} قال ابن عباس وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم غلاماً من الأنصار يقال له: مدلج بن عمرو إلى عمر بن الخطاب وقت الظهيرة ليدعوه، فدخل فرأى عمر بحالة كره عمر رؤيته عند ذلك فأنزل الله هذه الآية وقيل: نزلت في أسماء بنت مرثد كان لها غلام كبير فدخل عليها في وقت كرهته فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إنا خدمنا وغلماننا يدخلون علينا في حال نكرهها، فأنزل الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم} واللام لام الأمر وفيه قولان أحدهما: أنه على الندب والاستحباب والثاني: أنه على الوجوب وهو الأولى الذين ملكت أيمانكم يعني العبيد والإماء {والذين لم يبلغوا الحلم منكم} يعني الأحرار وليس المراد منهم الذين لم يظهروا على عورات النساء، بل المراد الذين عرفوا أمر النساء ولكنهم لم يبلغوا الحلم وهو سن التمييز والعقل وغيرهما، واتفق العلماء على أن الاحتلام بلوغ واختلفوا فيما إذا بلغ خمس عشرة سنة، ولم يحتلم فقال أبو حنيفة لا يكون بالغاً حتى يبلغ ثمان عشرة سنة ويستكملها والجارية سبع عشرة سنة وقال الشافعي وأبو يوسف ومحمد وأحمد في الغلام والجارية بخمسة عشرة سنة يصير مكلفاً، وتجري عليه الأحكام وإن لم يحتلم {ثلاث مرات} أي ليستأذنوا في ثلاثة أوقات {من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة} أي وقت المقيل {ومن بعد صلاة العشاء} وإنما خص هذه الثلاثة الأوقات، لأنها ساعات الخلوات ووضع الثياب، فربما يبدو من الإنسان ما لا يجوز أن يراه أحد من العبيد والصبيان، فأمرهم بالاستئذان في هذه الأوقات وغير العبيد والصبيان يستأذن في جميع الأوقات {ثلاث عورات لكم} سميت هذه الأوقات عورات لأن الإنسان يضع فيها ثيابه فتبدوا عورته {ليس عليكم ولا عليهم} يعني العبيد والخدم والصبيان {جناح} أي حرج في الدخول عليكم بغير استئذان {بعدهن} أي بعد هذه الأوقات الثلاثة {طوافون عليكم} أي العبيد والخدم يترددون ويدخلون ويخرجون في أشغالكم بغير أذن {بعضكم على بعض} أي يطوف بعضكم على بعض {كذلك يبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم} اختلف العلماء في حكم هذه الآية فقيل: إنها منسوخة حكي ذلك عن سعيد بن المسيب، روى عكرمة أن نفراً من أهل العراق قالوا يا ابن العباس كيف ترى في هذه ا لآية التي أمرنا بها، ولا يعمل بها أحد قول الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت إيمانكم} الآية فقال ابن عباس: إن الله حليم رحيم بالمؤمنين يحب الستر وكان الناس ليس لبيوتهم ستور ولا حجاب فربما دخل الخدم أو الولد أو يتيم الرجل والرجل على أهله فأمرهم الله بالاستئذان في تلك العورات، فجاءهم الله بالستور والخير فلم أرد أحداً يعمل بذلك بعد، أخرجه أبو داود في رواية عنه نحوه وزاد فرأيي أن ذلك أغنى عن الاستئذان في تلك العورات، وذهب قوم إلى أنها غير منسوخه روى سفيان عن موسى بن أبي عائشة قال: سألت الشعبي عن هذه الآية ليستأذنكم الذي ملكت أيمانكم أمنسوخة هي؟ قال: لا والله قلت إن الناس لا يعملون بها قال الله تعالى المستعان وقال سعيد بن جبير في هذه الآية أن ناساً يقولون: نسخت والله ما نسخت ولكنها مما تهاون به الناس قيل ثلاث آيات ترك الناس العمل بهن هذه الآية وقوله: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} والناس يقولون أعظمكم بيتاً {وإذا حضر القسمة أولو القربى} الآية.